languageFrançais

رغم ارتفاع عدد المانحين نظام المساعدات أصبح أكثر تعقيدا تجاه عدة دول

تتحكم عدة مؤسسات وبلدان في المساعدات و المعونات التي تقدم للبلدان النامية وتوزعها بعدة طرق و أُطر ولكن ازداد تعقيد هياكل المعونة خلال العقود الماضية، وشهد تحولات كبيرة في السنوات الخمس والعشرين  الماضية خاصة بعد انخراط  عدد كبير من  البلدان المانحة ، وإنشاء المزيد من الوكالات الإنمائية، وظهور قنوات جديدة لتدفق المعونات الكمالية بحسب تقرير للبنك الدولي.

خلال 12 عاما قدم البنك الدولي 504 مليار دولار كقروض ومنح

ويعتبر بعض خبراء البنك الدولي أن هذا التطور   كان في أغلبه  دون مخطط واضح  وبالتوازي مع ذلك لم  تشهد  سياسات  المعونة تغييرا كبيرا منذ إنشائها عقد  الحرب العالمية الثانية وأصبحت التدفقات المالية إلى البلدان النامية منتظمةً وديناميكيةً بصورة متزايدة، مما يقوضُ فعالية المعونة في بعض الأحيان  في ظل العلاقة الثنائية بين  الاقتصادات الصاعدة و الجهات المانحة التقليدية التي  تُقدم المساعدات الإنمائية الرسمية  حسب تقرير البنك الدولي بعنوان 'الحد من تجزؤ هيكل المعونة العالمية: دليل جديد لتحقيق الأثر الإنمائي 'وتحليل لتطور مشهد المعونة العالمية.

وسجل البنك تحصل البلدان النامية على  19% من القروض الثنائية المُقَدمة من دول  اقتصاديتها صاعدة مثل الصين وروسيا والهند والمملكة العربية السعودية في الفترة مابين  2011 و2023،  وخلال هذه الفترة، ظل البنك الدولي المصدر الرئيسي للتمويل، حيث ساهم  بمبلغ 504 مليارات دولار في شكل قروض ومنح وقدم غيره من البنوك متعددة الأطراف 457 مليار دولار من المساعدات الإنمائية الرسمية، وتستحوذ  المؤسسة الدولية للتنمية على 71% من مجموع هذه التمويلات .

ومن المؤكد أن زيادة التمويل من أجل التنمية العالمية يعود بالنفع على الجميع غير أن نظام المعونة العالمية أصبح أكثر تعقيداً، مما يثقل كاهل البلدان المستفيدة ويحد من قدرتها على التعامل معه ويخلق  تحدياتٍ أمام فعالية استغلال  المعونة بسبب  تأثير العولمة وتغير أولويات المانحين.

118 دولة مانحة وارتفاع عدد الوكالات إلى  622 وكالة

وسجل البنك الدولي في الدراسة  ارتفاع عدد المانحين من الدول من 63 إلى 118 مانحاً وزيادة كبيرة  في عدد   الوكالات المانحة  من 227 إلى 622 وكالة بين سنتي  2004 و2023 و أدى ذلك إلى ارتفاع التدفقات المالية الرسمية، التي تضاعفت من عام 2004 إلى عام 2023، وإن كانت مجزأة  ومثل  التمويل الخاص 52% من هذه التدفقات، مما يعكس تحولاً في التوازن بين المساهمات العامة والخاصة.

وأدى تزايد أعداد المانحين إلى تجزؤ تدفقات المعونة، لاسيما المساعدات الإنمائية الرسمية وفي الوقت الحالي، يقل متوسط منحة المساعدات الإنمائية الرسمية لكل نشاط عن 60% مما كانت عليه قبل عقدين وبين عامي 2000 و2023، انخفض حجم منح المساعدات الإنمائية الرسمية من 1.5 مليون دولار في المتوسط إلى 0.9 مليون دولار.

هذا ويثير حجم المنح قلقاً بالغاً نظراً لضعف قدرات البلدان منخفضة الدخل في التعامل معها، كما أن ارتفاع تكاليف المعاملات يحملها أعباء كبرى كما تواجه البلدان المستفيدة تحديات ناتجة عن تعدد المانحين، حيث يطلب كل مانح وثائق محددة مثل تقارير مراجعة للحسابات والقوائم المالية، والتقارير الخاصة بمستجدات سير العمل وغالبا ما تختلف هذه الطلبات بين مانح وآخر ووكالة وأخرى   مما يؤدي إلى غياب مقاييس موحدة  وهو وضع  يؤدي إلى  الحد من إمكانية التأثير على السياسات، و نشوب صراعات، و تعقيد المعونة ويرفع تكاليف المعاملات و تُهدر بذلك الموارد والوقت الثمين بعيداً عن مبادرات التنمية الأساسية، مما يعوق تحقيق التقدم والاستقرار في الدول المتحصلة على المنح..

تقلّص التزامات المانحين يصعب  آفاق التعافي بدول تشهد صراعات

هذا و تقوم المنظمات غير الحكومية المانحة  حاليا  بتنفيذ ثلاثة من بين كل أربعة مشروعات، ولا يُدرج نصف هذه الأموال في موازنات البلدان المستفيدة من المساعدات، مما يُضعف فاعلية المعونة كما يتزايد تخصيص التمويل المقدم من المانحين لقضايا محددة، مما يحد من فرص تجميع الموارد وتعزيز التمويل الإجمالي المتاح للبلدان المستفيدة ما يؤثر ذلك على فاعلية المعونة فقد يؤدي انخفاض التمويل إلى إضعاف فاعلية برامج المعونة وخلق منافسة بين البلدان المتلقية لها، مما يقوض إستراتيجيات التنمية الشاملة كما أن انخفاض المعونة المقدمة إلى الحكومات المستفيدة أن يقوض المسؤولية الوطنية عنها، مما يزيد من صعوبة تولي زمام السياسات الإنمائية من جانب تلك الحكومات وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى عدم مواءمة المعونة مع أولوياتها بسبب اختلاف الأجندات الخارجية.

هذا  ويؤدي توجيه قدر أقل من المعونات من خلال الموازنات الحكومية إلى الحد من فرص تدعيم الأنظمة المحلية والقدرات الإدارية، ويعيق  تطور المؤسسات الحكومية خاصة مع تواصل اعتمادها  على المساندة الخارجية كما تواجه الإجراءات الإنمائية خطر عدم الاستدامة لعدم كفاية  التمويل وقدرة بعض الحكومات المستفيدة  في تخطيط المشروعات وتنفيذها كما يؤدي  عدم إدراج المعونات في الموازنات الحكومية إلى الحد من أثرها على الاقتصاد المحلي وتُلقي هذه الاتجاهات مجتمعة عبئاً ثقيلاً على كاهل البلدان المستفيدة، والتي غالباً ما تعاني ضعفاً في قدراتها المؤسسية، إذ يجب عليها التعامل مع العديد من الشركاء ذوي الأولويات والمتطلبات الإدارية المتباينة، في الوقت الذي تواجه فيه انخفاضاً في حجم المساعدات الإنمائية.

ويعتبر البنك الدولي في سياق آخر أن الصراعات في عدة دول تؤدي  إلى شلل في الإنتاج المحلي، وهروب المستثمرين ، وتدمير الأنظمة الغذائية، ما ينعكس مباشرة في ارتفاع معدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي  ويُقدّر أن نحو 200 مليون شخص في هذه الدول أي نحو 18% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مقارنة بـ1% فقط في الدول الأخرى منخفضة ومتوسطة الدخل.

وفي ظل شح التمويل الإنساني، وتقلّص التزامات الدول المانحة،يعتبر البنك الدولي أن آفاق التعافي تبدو أكثر صعوبة، مما يستدعي مراجعة شاملة لآليات التدخل الدولي تجاه هذه الدول حسب دراسة شاملة للبنك الدولي، حول أداء 39 دولة تعاني من "أوضاع هشّة ومتأثرة بالصراعات" منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في عام 2020.

هناء السلطاني